الثورات الشعبية : بين حضارة التغيير وضراوة الحماسة الثورية
03/24/2012 00:00:00   |  المصدر: الصحف السورية   | 


تمر  البلاد العربية بما يوصف بالثورات الشعبية

وفي هذه الثورات يعلو نجم أناس، ويخبو نجم آخرين، والعامل الوحيد والحاسم في تصنيف الناس هو موقفهم من الثورة ..

 فمن كان مؤيّداً لها تألّق نجمه، وصار هو المناضل والثائر والغيور على الأمّة، ومن لم يظهر منه الوقوف إلى جانبها بصراحة وبقوّة

احترقت أوراقه، وغدا من المثبّطين، والممالئين للأنظمة الفاسدة، ومن المؤيّدين للاستبداد .

والذي يُلاحظ هنا غياب الوسط الثالث اللون الرمادي، إذ لا مكان للوسط في ضرامةالحماسة الثورية وهياجها ..

وكلّ من كان له ذكرٌ أو مكانة في المجتمع، على أيّ صعيد كان؛ فإن عليه أن يحسم موقفه، ويختار أحد المعسكرين المتقابلين

 إمّا معسكر النظام، أو معسكر الجماهير الثّائرة .. والسكوتُ غير مقبول؛ لأنّه علامة الجُبْن ..

وكيف يُقبل السكوت من إنسان ذي شأن ومكانة، في حين أن الشباب الصِّغار، بل الأولاد الذين لم يبلغوا سنّ الرّشد

 قد عَرَّوا صدورهم، ووقفوا صامدين أمام الرّصاص وآلة الحرب المدمِّرة؟!.

ولعلّ هذا الذي أقول من غياب اللّون الرّمادي، وانحصار الرؤية في اللَّونين الأبيض والأسود فقط، أمرٌ ملازم لواقع الثورات غالباً

 أو تقتضيها الثورة بطبيعتها؛ حين تكون في أوج عنفوانها ، والثورة مفيدة في البداية لهدم ظلم حاصل ولكن حضارة التغيير

والإصلاح خير من ضراوة الحماسة الثورية وهياجها إذ لا بدّ أن يَحْذر كلُّ من يتبنّى الفكر الثوري الوقوعَ في هذه الورطة ..

 ورطة الاستبداد؛ لأنّ الثورات تترافق غالباً- وربّما دائماً - مع العواطف المهتاجة، ومن شأن هيجان العاطفة أن يجور على العقل والتعقّل

 وأن يقود الفكر، ويستتبعه من حيث نشعر أو لا نشعر .. وإذا وقعت الثورة في هذا الخطأ الفادح؛ فإنها تكون بذلك قد أوجدت في ذات

نفسها نقيضَها الذي يؤذن بزوالها، أو النَّخَرَ الذي يجعلها تتآكل من داخلها . والذي يلاحظ بوضوح من حال الثورات عموماً – ولا أستثني منها

ثوراتنا العربية الناشئة – أنّها تأخذ الناس بالظِّنّة والشبهة، فكل مَن صدر منه رأي، أو اتّخذ موقفاً لا يتّفق مع تطلعات الثائرين وتوجّهاتهم

بشكل تامّ أو شبه تام؛ اتُّهِم بالخيانة .. ثم عومل بالعنف، وأقلّ أشكال هذا العنف ما يتجلّى في رفع الثوار عقائرهم بتسقيطه وتخوينه

وتكذيبه. من الخطأ تغيير استبداد الحاكم باستبداد الثورة: هل نريد أن نغيّر استبداداً باستبداد، هل نريد أن نبدّل استبداد الحاكم

 باستبداد الثورة؟! .. إنّ الاستبداد غير مبرَّر أيّاً كان لونه، وأيّاً كان مصدره، سواء كان من النظام أو من الثوّار. إنّ استبداد الثورة أشدّ من

استبداد الحاكم: لأن الحاكم المستبدّ ممقوتٌ في نظر الناس، وفي نظر نفسه كذلك، وهو حين يأتي ممارساته الشنيعة،

وينتقص من حريّات الناس؛ يشعر تجاه نفسه بما يشعر به اللُّص الدنيء .. أمّا من يستبدّ باسم الثورة، فهو يمارس السلوك

ذاته - إن لم يكن أشنع – ولكن تحت عنوان برّاقٍ جذّاب يوحي بالشّرف، هو شعار الثورة .. ولكن على أيّ حال يبقى الاستبداد

هو الاستبداد، سواء خرج من تحت عباءة النظام أو من تحت عباءة الثورة، وهيهات هيهات أن تختلف المسمّيات بمجرّد اختلاف التسميات،

 وهيهات هيهات أن يغيّر لونُ الثوب الذي يرتديه الإنسان شيئاً من حقيقته المختبئة تحته

جميع الحقوق محفوظة - حزب الأنصار
ansar-sy.org