الحريّة هي شرطُ الخيار الأخلاقيّ. ولا حريّةَ حين يُستعبد المرءُ طوال حياته من أجل تحصيل لقمة العيش أو البحث عن السقف الذي يؤويه، ولا يمكنه تأمينُ العلاج لأطفاله. الحقوق الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق هي من شروط ممارسة الحريّات السياسيّة، خلافًا لمحض توفّرها في المجتمع الحديث.
وقضيّة الاستتباع الثقافيّ للاستعمار هي تحصيلٌ حاصلٌ لغياب مشروعٍ حضاريٍّ ثقافيٍّ للأمّة يرافق عمليّةَ بنائها وإعادة إنتاجها، رغم توافر الكفاءات والمواهب الفرديّة، ورغم توافر التعدديّة الدينيّة والثقافيّة والإثنيّة والعمق الحضاريّ ـ وكلُّها عواملُ مساعِدةٌ تُغْني عمليّةَ الإبداع العلميّ والأدبيّ والفنّيّ. ولكنّ الاستتباع السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ يحوِّلُ العربَ من منتجي ثقافةٍ ومعارفَ وعلومٍ إلى مجرّد مستهلكين. وبدلَ التفاعل المتكافئ المطلوب، تنشأ تبعيّة للقشور والمظاهر إلى درجةٍ تحوِّلُ الدولَ الغربيّةَ الرأسماليّة المتطورة إلى الحاكم والحَكَم، لا في شؤون السياسة والأمن والاقتصاد فحسب، بل في شؤون الثقافة أيضًا
(ليس المقصودُ هنا، طبعًا، الغربَ المبدع، الذي لا بدّ من التفاعل معه علميًا وثقافيًا، بل الغرب الذي يولِّي نفسَه وصيًا ).