المصدر : خالد العينية
بعد قراءة الملاحظات القانونية التي أوردها د. موسى خليل متري على مشروع الدستور، سنحت لي الفرصة لمناقشته في الدستور الجديد وبالملاحظات التي أبداها. وبعد مناقشة بعضها، تطرقت إلى موضوع المادة الثالثة، حيث بيّن لي أنه من الناحية القانونية هي الملاحظة الأقل أهمية من بين ملاحظاته، ولكنه أثارها لأن عدداً كبيراً من المواطنين تحدثوا عنها، ونسوا الملاحظات الأكثر أهمية والتي تتعلق بفصل السلطات.
وحيث إنني كنت من المواطنين المعنيين بالمادة الثالثة من الدستور، فقد أصررت على استمرار المناقشة فيها، فقال لي: إضافة إلى ما أوردته من حجج، من الطبيعي ألا يكون هنالك انتخاب لرئيس جمهورية مسيحي في سورية، كما أنه من الطبيعي ألا يتم انتخاب رئيس جمهورية مسلم في أوروبا، ولكن من غير الطبيعي أو القانوني أن يوضع هذا الشرط في الدستور، ولا تجد في أغلب الدول الأوروبية مثل هذا الشرط، كما أن دستور مصر (التي انتخبت أكثر من 70 % من نوابها من الإسلاميين) لا يتضمن مادة كهذه.
هنا طرحت عليه السؤال التالي: كيف يمكن مواجهة هذه المادة، فأجابني بأنه من الناحية القانونية، لا بد من تعديل الدستور. أما من الناحية العملية، فيمكن تحدّيها بترشح مسيحي لمنصب رئاسة الجمهورية. فسألته: كيف يترشح مسيحي ودين رئيس الجمهورية الإسلام؟ فأجاب بأن المادة الرابعة والثمانين من الدستور تتضمن الشروط الواجب توافرها في المرشح إلى منصب رئيس الجمهورية، وهذه الشروط هي:
1 - أن يكون متماً الأربعين عاماً من عمره.
2 - أن يكون متمتعاً بالجنسية العربية السورية بالولادة، من أبوين متمتعين بالجنسية العربية السورية بالولادة.
3 - أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رُدّ إليه اعتباره.
4 - أن لا يكون متزوجاً من غير سورية.
5 - أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لاتقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح.
أما المادة 3 /1 من الدستور، فتنص على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، وليس دين المرشح لرئاسة الجمهورية الإسلام.
المقارنة بين الشروط الواجب توافرها في المرشح للرئاسة وبين دين رئيس الجمهورية، تبيِّن أنه يمكن للمسيحي المتوافرة فيه الشروط المنصوص عليها بالمادة /84/ من الدستور أن يترشح لرئاسة الجمهورية، وبعد انتخابه وقبل توليه مهامه، يمكن أن يعلن إسلامه، وبالتالي لا يوجد أي مخالفة لأحكام الدستور وفقاً لقراءة د. موسى متري للدستور.
فسألته: كيف يمكن أن يشكل ترشح المسيحي تحدياً لهذه المادة؟ فأجابني: فكر فيها.. وستجد الجواب.
هنا عُدت أدراجي إلى المنزل، وأنا أتخيل ماذا يمكن أن يحدث لو ترشح مسيحي لرئاسة الجمهورية، وتخيلت السيناريو التالي:
أحد المواطنين المسيحيين أعلن أنه سوف يترشح لرئاسة الجمهورية وبدأ أعمال الحملة الانتخابية له حتى قبل فتح باب الترشح الرسمي.
عند فتح باب الترشح، بدأ الاتصال بأعضاء مجلس الشعب كي يحصل على تواقيع نواب يمثلون 20 % من أعضائه (وهذا شرط تعجيزي بحد ذاته) فأفاد بعضهم أن ترشحه غير قانوني لمخالفته أحكام المادة الثالثة من الدستور. عندإصراره، أرسل مجلس الشعب طلباً إلى المحكمة الدستورية العليا لسؤالها عن مدى قانونية ترشح المسيحي لرئاسة الجمهورية.
ضمن سيناريو الفرضيات، نتابع الفرض أن المحكمة الدستورية التي تشرف على انتخاب رئيس الجمهورية ذهبت بنفس الرأي الذي شرحه لي د. موسى متري، وورد أعلاه، وميّزت بين شروط المرشح وشرط الديانة التي هي لرئيس الجمهورية، ولكن من باب الاحتياط طلبت المحكمة الدستورية العليا من المرشح تقديم تعهد بأنه سوف يعتنق الديانة الإسلامية في حال تم انتخابه رئيساً للجمهورية.
وحيث إن المرشح كان سياسياً شاطراً والسياسي الشاطر كاذب بالتعريف، تقدم بكتاب يتعهد فيه (في حال انتخابه رئيساً) باعتناقه الإسلام، وحتى أنه تعهد بأن يكون إسلامه وفقاً للقواعد المطبقة في إحدى الطوائف الإسلامية؛ وذلك لكسب ود الطائفيين المتعصبين في سورية.
بعد صدور رأي المحكمة الدستورية العليا، تابع المرشح المسيحي حملته وهنا بدأت الاحتمالات تظهر؛ فلو كان المرشح المسيحي من الشخصيات المميزة فعلاً والمؤهلة لرئاسة الجمهورية ونجح بالدور الأول إلى الدور الثاني، وكان من بين المرشحين الاثنين المتبقيين للدور الثاني (وهو مازال مسيحياً)، فيكون الشعب في سورية قد أثبت عدم طائفيته والمادة الثالثة أصبحت لا تعبر عن إرادة الشعب. أما إذا لم ينجح، فتكون النتيجة طبيعية والمادة الثالثة غير ذات مغزى.
ولنتابع أحداث الفرضية، ونتصور أن المرشح المسيحي نجح في الدور الثاني من الانتخابات، وأصبح رئيساً للجمهورية، فيكون لدينا احتمالان آخران:
- إعلان اعتناقه الإسلام رغم معرفة الشعب الناخب له أنه اعتنقه عن مصلحة سياسية في أن يصبح رئيساً وليس إيماناً منه بالإسلام. وهنا سوف يشعر بعض السوريين بـ “العار”.
- إعلان رجوعه عن تعهده وعدم اعتناقه الإسلام وعدم رغبته في أن يصبح رئيساً رغم انتخابه من أغلبية السوريين. وهنا سوف تشعر غالبية السوريين بـ “العار” وتذهب الديمقراطية وحق الأغلبية في انتخاب رئيس الجمهورية في مهب الريح. بانتهاء السيناريو استنتجت ماذا قصد د. موسى متري بقوله “إذا ترشح مسيحي لرئاسة الجمهورية، يكون هنالك تحد للمادة الثالثة من الدستور”. فلو قال بعضهم إنه لا يوجد أي إمكانية لحدوث هذا السيناريو أو فوز المسيحي بالانتخابات، يكون الجواب، ليس هنالك ضرورة للمادة 3/1 من الدستور.
أما إذا كان هنالك احتمال ولو كان ضئيلاً بحدوث السيناريو السابق فسيثبت الشعب في سورية أنه أعظم من طائفية بعضهم، وتكون المادة 3/1 مكرسة “للعار” بالدستور.